إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل والإستعداد للقائه ، فأنتم اليوم في دار الممر وغدا ترتحلون الي دار المقر، وما بين العبد وبين الآخرة الا أن يموت ، فمن مات فقد قامت قيامته ، فماذا اعددتم لليوم الذي ترتحلون فيه من القصور الي القبور ومن ضياء المهود الي ظلمة اللحود ، ومن مداعبة الجواري والغلمان الي مقاسات الهوان والديدان .
قال ابن القيم رحمه الله : ( للعبد رب هو ملاقيه ، وبيت هو ساكنه ، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه ، ويعمر بيته قبل انتقاله اليه ) .
واسمع الي قول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون )
إذا استوفت النفس مكيالها ** وزلزلت الأرض زلزالها
فمالك من فرصة للإياب ** ولن يرجع العمر بعد الذهاب
تقدم فمازال للصلح باب ** وبالموت يغلق باب المتاب
( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) .
أيها الإخوة والأخوات : أخرج الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله تعالى : يابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي ، ياابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني ، غفرت لك ، يابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ، لأتيتك بقرابها مغفرة )
وقال : { يقول الله تعالى : يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم }.
وقال : { إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها }.
وعندما رأي رسول الله امرأة تبحث عن ولدها في السبي فلما رأته احتضنته وألقمته ثديها ، فقال : { أترون هذه ملقية ولدها في النار ؟ } قالوا : لا ، قال : { لله أرحم بعباده من هذه بولدها }.
الله أكبر .. هل بعد هذا الفضل نتقاعس عن التوبة ؟!! هل بعد هذا الجود نسوِّف في التوبة ؟! اللهم سبحانك ما أرحمك ، سبحانك ما أجودك.
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجا مني لعفوك سُلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربِّي كان عفوُكَ أعظما
فما زلت غفاراً عن الذنب لم تزل. ***. تجود وتعفو منةً وتكرما
ولهذا أيها الأحبة : فإن الناس صنفان تائب وظالم فقال سبحانه : ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) . وليست التوبة استغفارا باللسان والقلب معتكف على العصيان والخروج عن طاعة الواحد الديان .
سأل موسى عليه السلام ربه وقال : ( يارب ! ماالذي ينجيني من سخطك ، وينقذني من عذابك ، ويبلغني رضاك ، فأوحي الله عزوجل اليه ياموسى ! استغفار باللسان ، وندم بالقلب ، وترك بالجوارح ) . وهذه هي ركائز التوبة وإلا كانت توبة باللسان مع إصرار القلب على الذنب .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا ، قال أبو شهاب - بيده فوق أنفه ) . وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف ، لقوة ما عنده من الإيمان ، فلا يأمن العقوبة بسببها ، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة ، يستصغر عمله الصالح ، ويخشى من صغير عمله السيئ ، ( وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا ) السبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم ، فوقوع الذنب خفيف عنده ، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول : هذا سهل . إياك أن تحتقر الذنب
خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
خرج أحد السلف من الصالحين يوما في سفر فلما عاد من سفره سأل تلميذا من تلاميذته ، كيف كان حالك بعدي ؟ قال : والله يا شيخنا كنت بعافية والحمد لله فآل يابني : إن كنت لم تقترف ذنبا فأنت في عافية وإن كنت قد اقترفت معصية فأي داء ادوء من المعصية .
ولذا أيها الأحبة ليست التوبة مقصورة على العصاة فقط ، بل إننا مأمورون بالتوبة وإن كنا طائعين ، الم يقل الله عز وجل : ( وتوبوا الي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) لم يقل أيها العاصون ، وإنك إذا نظرت الى الاستغفار في القرآن تراه يأتي بعد أمور جليلة ، التوحيد أعظم ما يلق العبد به ربه فقال الله عز وجل ???? فاعلم أنه لا اله الله واستغفر لذنبك ). جاء الاستغفار بعد التوحيد ، بل إن قيام الليل من أفضل العبادات بعد الفريضة ، قال سبحانه وتعالى : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) يستغفرون من ماذا وقد قضوا ليلهم تقربا وركوعا وسجودا لرب العالمين ، بل إن الذي يقف على عرفة تغفر ذنوبه ويفيض منها كيوم ولدته أمه، ولكن الله يقول : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفر الله ) جاء الاستغفار بعد أمور جليلة .
إذا تم أمر بدى نقصه *** توقع زوالا إذا قيل تم
فلما ذا كانوا يستغفرون وهم طائعون ؟ لأنك أيها المسلم لو بقيت العمر كله ساجدا بين يدي الله ثم وزن عملك هذا يوم القيامة بنعمة البصر لرجحت نعمة البصر، لذا فأنت بحاجة الي الإستغفار والتوبة ، لأنك ما عبدت الله حق عبادته وما شكرته حق شكره ، بل اعلم أيها المسلم أن الإنسان عندما يقوم بالطاعات والقربات يبقى دائماً مقصرا في جنب رب الأرض والسموات فهو بحاجة دائماً أن يستشعر عجزه وتقصيره .
لما ذا نحتاج الى هذه التوبة ؟ فلأننا بهذه التوبة نكفر عن ذنوبنا وخطايانا ، إن الواحد منا يحمل من الذنوب ما لا حصر له ولا عدد فكلنا ذو خطإ ، لو أن الذنوب لها روائح ما خرجنا من بيوتنا ولكن فضل الله علينا عظيم ، أظهر للناس محاسننا وستر عن الناس عيوبنا ، قال أحد السلف ???? قد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه فلا ندري أيهما نشكر أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر ) ولذا فإننا مذنبون والمذنب يحتاج الى التوبة ، وإننا بحاجة الى التوبة لأن التائب يفرح ربه ، الا تحب أن تفرح ربك ؟ الله يفرح بتوبتك وأوبتك. ولقد جاء في الحديث : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتي شجرة فاضطجع في ظلها - قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح )
جاء في الأثر: ( لو يعلم المدبرون عني ، كيف انتظاري لهم ، ورفقي بهم ، وشوقي لترك ذنوبهم ، لتقطعت أرحامهم من محبتي ولماتوا شوقا الي ، فإذا كان حالي مع المدبرين عني فكيف يكون حالي مع المقبلين علي )
رجل أطاع الله أربعين سنة، ثم فتن فعصى الله أربعين سنة ، ولكنه أراد أن يخرج من المعصية فنادى ربه : يا رب أطعتك أربعين وعصيتك أربعين فهل لي من توبة إن عدت إليك يارب العالمين وإذا به يسمع هاتفا يقول : ( أطعتنا فقربناك ، وعصيتنا فامهلناك ، وإن رجعت الينا قبلناك )
وما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال : ( أحد العارفين أنه رأي في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي ، وأمه خلفه تطرده حتى خرج ، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا ، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ، ولا من يؤويه غير والدته ، فرجع مكسور القلب حزينا ، فوجد الباب مغلوغا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام ، وخرجت أمه ، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه ، والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي ، أين تذهب عني ،؟ ومن يؤويك سواي ؟ الم أقل لك لا تخالفني ؟ ثم أخذته ودخلت . )
أهنئك أيها المسلم بقدوم هذا الشهر المبارك بعد قليل ، شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار .. شهر الخير والبركة .. شهر الجود والإحسان .. وأقول لي ولك ولكل مقصِّر مع ربِّه:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب *** حتى عصى ربَّه في شهر شعبان
لقد أظلك شهرُ الصبر بعدهما *** فلا تصيِّر أيضاً شهرَ عصيان
واتل الكتاب وسبِّح فيه مجتهداً *** فإنه شهرُ تسبيحٍ وقرآن
نعم .. أقبل رمضان ، فأقبل على ربك - الذي عصيته - متضرعاً خاشعاً نادماً باكياً .. وقل:
يا إله الكون إني راجع...
ويا واهبَ الخيرات هبْ لي هداية *** فما عند فقدان الهداية نافع
أقل عثرتي عفواً ولطفاً ورحمة ***. فما لجميل الصفح غيرك صانع
فهذا ما تيسر لي جمعه في التوبة قبل رمضان ، أسأل الله أن يجعل ما قلته زادا الى حسن المصير اليه وعتادا الى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم وَبَارك على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
Su’aal 12: Waxaad sheegtaan Aayada ugu yar
...Su’aal 12: Waxaad sheegtaan Aayada ugu yar
...Su’aal 12: Waxaad sheegtaan Aayada ugu yar
...Mowqica Dacwadda iyo Barashadda Diinta ee Kitaabka iyo Sunadda calaa Fahmi Salafus-Saalix