نعمة العافية


الحمد لله رب العالمين، الملك الحقِّ المبين، أحمده سبحانه وتعالى على جليل نعمه وعظيم إحسانه في كل وقت وحين، وأصلِّي وأسلِّم على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أيها المؤمنون، إنه من نعم الله العظيمة، وآلائه الجسيمة، نعمة الصحة والعافية، وهي من النعم التي لا تَطيب الحياةُ إلا بها، ولا يهنأ العيش إلا من خلالها، وهي من حسنات الدنيا المرغوبة، والنعم الإلهية المحبوبة، قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، قال المفسِّرون: "حسنة الدنيا: العافية في الصحة، وكفاف المال"[1].

عباد الله، إنه من تأمَّل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتوجُّهِه في الدعاء والتضرع لله رب العالمين، يجد أن أكثر دعائه عليه الصلاة والسلام كان طلب العافية من البلايا والأمراض والأدواء والأسقام؛ فعن عبدالله بن عُمَرَ، قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي))[2] ، فبدأ صلى الله عليه وسلم هذا الدعاءَ العظيمَ بسُؤال الله العافية في الدنيا والآخرة؛ لأنه لا يَعدِلُها شيءٌ، ومن أُعطي العافيةَ في الدنيا والآخرة فقد كَمُلَ نَصِيبُه من الخير[3].


والعافيةُ - عباد الله - هي تأمين الله وحفظه لعبده مِن كلِّ نِقْمَةٍ ومِحنَة، بصرف السُّوء عنه ووقايته من البلايا والأسقام، وحفظه من الشرور والآثام[4].


فالعافية في الدين: طَلَبُ الوقاية من كلِّ أمرٍ يَشِينُ الدِّينَ أو يُخِلُّ به، وفي الدنيا: طَلَبُ الوقاية من كلِّ أمرٍ يَضُرُّ العبدَ في دنياه مِن مُصيبة أو بَلاء أو ضَرَّاء أو نحو ذلك، وفي الآخرة: طَلَبُ الوقاية من أهوال الآخرة وشدائدها، وما فيها من أنواع العقوبات، وفي الأهل: تكون بطلب وِقَايَتِهم مِن الفتَن، وحِمايَتِهم من البَلايا والمحن، وفي المال: بِحفظِه مِمَّا يُتْلِفُه مِن غَرَقٍ أو حَرْقٍ أو سَرِقَةٍ أو نحو ذلك[5].


ففي العافية تجتمع كلُّ النعم، وكل الخيرات، وفي الحديث: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))[6]، ومعنى الحديث: أن من جمَعَ الله له بين عافية بدَنِه، وأمْنِ قلبه حيث توجَّهَ، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمَعَ الله له جميع النعم التي مَن مَلَكَ الدنيا لم يحصل على غيرها[7].


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.


عباد الله، إنه إذا كانت العافية من نعم الله العظيمة، ومِنَنِه الكريمة، فإن الواجب على العبد أن يحرص تمام الحرص على شكر هذه النعمة، وتسخيرها في طاعة المنعم جل جلاله، وفي الحديث عن المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهُ، قَالُوا: قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ! قَالَ: ((أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟))[8].


والقصد أن من عظُمت عليه نعمة الله، وأُسبغت عليه آلاؤه، عليه أن يتلقَّاها بعظيم الشكر ودوام الطاعة لله، والإكثار من شكره جل في علاه[9]؛ إذ النعم لا تدوم، وقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ((اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ))[10]،فاللهم عافنا في الدنيا والآخرة، وجنِّبْنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.


عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، فاللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ.


اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ عِلمِنا، ولا منتهى آمالنا، ولا إلى النار مصيرنا.


اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وعافِ مبتلانا.


سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

logo 2


Facebook LikeBox

Rss 1

Abdelqader1

Halkan KARAADI VIDIO

WhatsApp This Page Now

Halkan karaadi

720518
Today
Yesterday
All days
129
670
720518
2024-10-18 05:12

Maamulka dacwadda

SS10

 

Kulamadda dacwadda

title_6711ee2c6c50f18112866251729228332
title_6711ee2c6c5e75542213241729228332
title_6711ee2c6c6b64099988151729228332
title_6711ee2c6c78311722925031729228332
title_6711ee2c6c8504526199381729228332
title_6711ee2c6c9271552881761729228332

 

DURUUSTA IYO MUXAADARAATKA

title_6711ee2c6d6886314299411729228332
title_6711ee2c6d75a15844055341729228332
title_6711ee2c6d81520211231631729228332
title_6711ee2c6d8e57172146321729228332

ISLAMCHOICE.ORG SOMALI

Mowqica Dacwadda iyo Barashadda Diinta ee Kitaabka iyo Sunadda calaa Fahmi Salafus-Saalix

UongofuUongofu.com